اليمن وظاهرة التغير المناخي: أي المؤشرات أدق؟!
الادعاء:

في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ألقى رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي كلمة بلاده أمام زعماء عدد من دول العالم في مؤتمر الأطراف COP27، الذي أُقيم بمدينة شرم الشيخ المصرية. العليمي في كلمته -التي بثت مباشرة عبر التلفزيون المصري وتناقلتها وسائل إعلامية مصرية ويمنية وأخرى تابعة للأمم المتحدة- قال: "إن اليمن هو الأقل مساهمة في الانبعاثات المسببة لظاهرة التغير المناخي، إلا أنه يأتي في صدارة الدول المتأثرة بآثارها السلبية".

وفي سرديته، ذهب العليمي إلى عدد من المؤشرات التي ربطها بالتغيرات المناخية ومدى تأثيرها على البيئة اليمنية، والتي من بينها خطر نضوب المياه الجوفية، واضطراب المواسم المطيرة، إضافة إلى اتساع رقعة التصحر، وتهديدات أخرى تطال مدناً ساحلية حد الغرق.

فهل اليمن أقل الدول إسهاماً في الانبعاثات المتسببة في التغيرات المناخية؟ وهل تأتي في صدارة الدول المتأثرة من تلك الانبعاثات؟ وما مدى صحة المؤشرات التي ذكرها العليمي كمؤشرات تؤكد تأثر اليمن بيئياً ومناخياً؟

 

مساحة الانتشار

لاقت كلمة الرئيس العليمي في المحفل الدولي تفاعلاً آنياً من خلال البث المباشر لعدد من القنوات المصرية واليمنية، تبعها بعد ذلك تفاعل متواتر عبر القنوات الفضائية ووكالة الأنباء اليمنية سبأ ومواقع إخبارية يمنية ومصرية.

كان اهتمام القنوات والمواقع منصباً على الكلمة بعيداً عن مدى صحة ما ورد فيها، حتى أن بعضها اكتفت بالتغطية الشكلية التي أكدتها بنشر نص الكلمة كما هو، من دون أي إشارة لأهم ما ورد فيها والتفاصيل التي ذكرها الرئيس اليمني في أهم محفل يُعنى بالمناخ والبيئة.

عند بحثنا عن مدى انتشار كلمة الرئيس العليمي، بما ورد فيها من محتوى نعمل على فحصه وتدقيقه للجمهور، استخدمنا بعض الكلمات المفتاحية عبر محرك البحث غوغل كـ “العليمي كوب 27 شرم الشيخ، الرئيس العليمي مؤتمر الأطراف شرم الشيخ”، وجدنا أن الانتشار الأكبر كان عبر مواقع الويب، تلتها صفحات القنوات الفضائية، عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ثمانية مواقع إخبارية نشرت كلمة الرئيس العليمي، سبعة يمنية وموقع واحد مصري، بينما بثت سبع قنوات عبر يوتيوب الكلمة، اثنتان منها تتبعان قنوات فضائية حكومية في كل من اليمن ومصر، ونشر الكلمة في فيسبوك وتويتر، حساب الحدث اليمني، التابع لقناة الحدث السعودية.

 

انبعاثات عكسية!

عند البحث لإثبات أو نفي ما قاله الرئيس العليمي عن اليمن، كأقل الدول من حيث الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية، وأكثر الدول تأثراً بها، وجدنا أن هناك دولاً عديدة عربية وغير عربية انبعاثاتها أقل من اليمن.

أورد الموقع المتخصص ourworlddata إحصائيات للانبعاثات على مستوى العالم منذ عام 1750 إلى 2021، وبناء على هذه الإحصائيات حددنا نطاقاً زمنياً مدته عشر سنوات، للمقارنة بين اليمن والدول العربية وبقية دول العالم، واخترنا الفترة من عام 2011 إلى 2021 باعتبارها الأحدث، وبدأنا بالمقارنة بين اليمن والدول العربية خلال السنوات العشر، لنتوصل إلى أن اليمن خلال العشر السنوات المذكورة كانت انبعاثاته أعلى من فلسطين وموريتانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر، مع تغيرات في عامي 2013 و2014 حيث كانت انبعاثات اليمن أعلى من الأردن ولبنان والسودان إضافة للدول الخمس السابقة، وفي عامي 2011 و2012 كانت انبعاثات اليمن أعلى من السودان إضافة للدول الخمس.

عالمياً، يأتي اليمن بعد 118 دولة كأقل الدول إسهاماً في الانبعاثات خلال عام 2021، وفقاً لما أورده موقع ourworlddata.

مقارنة انبعاثات اليمن بالدول العربية من عام 2011 – 2021

أما من حيث التأثيرات، فقد توصل تقرير لمنظمة “جيرمن ووتش” ( Germanwatch ) المتخصصة في التنمية والتغير المناخي، إلى أن الدول العشر الأكثر تضرراً في 2019 هي: موزمبيق وزيمبابوي وجزر البهاما واليابان، وملاوي وأفغانستان والهند وجنوب السودان، والنيجر وبوليفيا.

الدول العشر الأكثر تضررًا بالتغيرات المناخية في العالم

بينما كانت جزيرة بورتوريكو (التابعة للولايات المتحدة الأميركية والواقعة في منطقة الكاريبي)، وميانمار وهاييتي والفلبين وموزمبيق وجزر البهاماس وبنغلاديش وباكستان وتايلند ونيبال، الدول الأكثر تضرراً في الفترة من عام 2000 إلى 2019.

الدول الأكثر تضررًا بالتغيرات المناخية من عم 2000 – 2019

ووفقاً للمنظمة، فإن جزيرة بورتوريكو وميانمار وهاييتي والفلبين وباكستان هي أكثر 5 دول تأثراً بالتغير المناخي في القرن الـ 21.

 

مؤشرات بيئية

في كلمته، ذكر العليمي عدداً من المؤشرات التي بدت وكأنها تؤيد ما طرحه حول تأثيرات الانبعاثات على البلاد، بالرغم من تدني نسبتها، وفقاً لما ذكره. فالتصحر والجفاف واضطراب المواسم المطيرة وغرق مدن ساحلية، تأتي كخلاصة لما أراد توصيله للعالم في المحفل البيئي الأبرز.

ووفقاً للدكتور أنور الشاذلي، الأستاذ المساعد في قسم البيولوجي بجامعة تعز، الذي قال: “يصطدم كلام العليمي بعدد من العوامل البشرية، المرتبطة بالمتغيرات الحاصلة، فالحرب واحدة من الأسباب التي أدت إلى تراجع المساحات الزراعية، إضافة إلى زراعة الألغام في عدة مناطق كانت تزرع، وباتت في حدود المواجهات العسكرية بين أطراف الصراع، يضاف إلى ذلك استمرار نشاط شركات النفط في المحافظات الشرقية كحضرموت وشبوة ومأرب، والمصانع الإنتاجية في عدد من المحافظات”.

يذهب تقرير نشره برنامج CEOBS إلى إن الصراع في اليمن أثر بشكل كبير في الزراعة بالبلاد، وأدى إلى ما سمّاه بالإجهاد الزراعي نتيجة غياب الأمن وسوء الأوضاع الاقتصادية، وهجرة عدد من المزارعين لأراضيهم، وهو تأكيد أن عوامل أخرى متسببة في التغيرات البيئية، إضافة إلى الأعباء التي تنتج عن القات باعتباره يمثل 15% من الأراضي المزروعة في البلاد، كاستنزاف المياه والاستخدام المفرط للمبيدات، وفقاً لما أورده البرنامج.

ووفقًا لمنصة statista، فإن اليمن يأتي سابعاً في قائمة الدول العربية من حيث مساحة التصحر، بحسب بيانات مسح 2012، وتمّ نشرها في آب/ أغسطس 2020 بعد إتاحتها في تشرين الأول/ أكتوبر 2017.

اليمن سابعًا من حيث الدول العربية الأكثر تصحرًا

أما على مستوى المدن الساحلية المهددة بالغرق فإن مؤشر المدن اليمنية آمنة ووضعها معتدل من حيث الفيضان السنوي للبحر حتى عام 2050 على الأقل، إذ تبدو عدن الأكثر عرضة لخطر غرق مساحات شاسعة منها، بحسب أداة فحص المخاطر الساحلية Climate Central، وعند مقارنتها بمدن عربية أخرى كالإسكندرية المصرية، فإن الأخيرة تشهد وضعاً خطيراً في ظل ارتفاع منسوب الفيضان السنوي للبحر فيها.

مدينة عدن من بين المدن المهددة بالغرق لكنها لا تقارن خطورة

ويضع مؤشر نوتردام اليمن في المرتبة 174 من بين 185 دولة، ووفقاً للمؤشر فإن هذا التصنيف نتيجة درجة الضعف العالية والاستعداد المنخفض لمواجهة الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم التغيرات المناخية، بما في ذلك الإجراءات الحكومية التي تشير إلى أن البلاد على بعد 10 مراكز فقط، لتصبح الأسوأ في مواجهة التغيرات المناخية، ولا يليها عربياً سوى الصومال والسودان، وبشكل تفصيلي، فإن اليمن هي الدولة رقم 27 الأكثر ضعفاً، والدولة 182 الأكثر استعداداً لمواجهة أي تداعيات محتملة لتغير المناخ، وكلا التصنيفين يجعلانها من الدول ذات الوضعيات المتدنية.

مؤشر نوتردام يضع اليمن في المرتبة 174 من حيث الاستعداد لمواجهة التغيرات المناخية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تم إنجاز هذا التقرير كمشروع تخرج من دبلوم أريج لتدقيق المعلومات من الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) ضمن مشروع دليل، بدعم من الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع مؤسستي سايرين و جوسا.

تصنيف الخبر :
مضلل
مصادر الخبر:
pages:تحرير