اشتعل الصراع الاقتصادي بين الحكومة الشرعية وجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن، مؤخرًا، بشكل لا يقل ضراوة وتأثيرًا عن نيران الحرب العسكرية التي تشهدها البلاد منذ نحو 9 سنوات، والذي يأتي في إطار سعي كل طرف من أجل السيطرة والتحكم بالقرار الاقتصادي للبلاد.
وبرز الصراع الاقتصادي بشكل كبير في الثاني من أبريل/ نيسان 2024، حيث وجه البنك المركزي اليمني – المعترف به دوليًا – البنوك والمصارف بمختلف أنواعها في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، بنقل مقراتها الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة عدن، خلال 60 يومًا، قبل أن يصدر البنك قرارات في 30 مايو/ آيار 2024، بوقف التعامل مع عدد من البنوك وشركات الصرافة كونها تخلّفت عن قرار نقل مراكزها الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة، عقبتها قرارات بإيقاف التراخيص الممنوحة لعدد من شركات ومنشآت الصرافة.
وفي 30 مارس/ آذار 2024، كان محافظ البنك المركزي التابع لحكومة الحوثيين – غير المعترف بها – في صنعاء، أعلن إصدار عملة معدنية فئة 100 ريال، بدلاً من العملة الورقية التالفة من نفس الفئة، مبررًا ذلك في مؤتمر صحافي، بـ”تسهيل التداول المالي” لأن “العملة الجديدة ستعوض التالفة فقط، ولن تكون هناك إضافة لأي كتلة نقدية معروضة”.
رافق هذا الصراع الاقتصادي بين البنك المركزي اليمني التابع للحكومة اليمنية – المعترف بها دوليًا – في العاصمة المؤقتة عدن، والبنك المركزي اليمني التابع لحكومة أنصار الله الحوثيين في صنعاء، الكثير من الادعاءات والمعلومات المضللة، حيث قام فريق “منصة حقيقة” برصدها وتوثيقها والتحقق منها وتفنيدها.
قرار مضلل
في يونيو/ حزيران 2024، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي معلومات تفيد بأن البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، أصدر قرارًا بحظر استيراد البضائع والخضروات والفواكه من مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء، إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية – المعترف بها دوليًا – بالعملة الصعبة والطبعة القديمة من الريال اليمني.
وتمكن فريق منصة حقيقة من رصد وتوثيق الادعاءات والتحقق من صحتها، وتوصل إلى أن البنك المركزي في عدن لم يصدر أي قرار يحظر استيراد البضائع والخضروات والفواكه من مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك من خلال العودة إلى الموقع الرسمي للبنك المركزي في عدن إذ وجدنا أنه لم ينشر أي قرار بهذا الخصوص.
وكان البنك قد نشر في 24 يونيو/ حزيران 2024 تنويهًا بضرورة الاعتماد على الموقع الرسمي للبنك المركزي وصفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على جميع القرارات والتعليمات الصادرة عنه، والذي جاء حرصًا على ضمان صحة المعلومات ووضوحها، وقطع الطريق أمام أيّ محاولات للتضليل أو نشر معلومات مغلوطة، وفقًا لما ورد فيه.
حساب زائف
في يوليو/ تموز 2024، نشر حساب على منصة X “تويتر سابقًا” يحمل اسم محافظ البنك المركزي اليمني – عدن “أحمد غالب المعبقي”، تغريدات حول عدم التراجع عن الإجراءات البنكية المتخذة مؤخرًا، تداولتها حسابات عدة في منصات التواصل الاجتماعي.
تمكن فريق منصة حقيقة من التوصل إلى أن الحساب زائف ولا يتبع محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي الذي نفى عدم وجود أي حسابات له في وسائل التواصل الاجتماعي.
ونَشِطَ هذا الحساب بعد أخبار عن تعليق مجلس القيادة الرئاسي للإجراءات التي أقرها البنك المركزي اليمني في عدن بعد رسالة المبعوث الأممي التي حث فيها المجلس والحكومة لتعليق تنفيذ الإجراءات إلى نهاية أغسطس 2024.
رسالة مضللة
في منتصف تموز/ يوليو تداول ناشطون على منصة X “تويتر سابقًا” مذكرة على أنها رسالة من محافظ البنك المركزي اليمني – عدن أحمد غالب المعبقي إلى السفير السعودي في اليمن.
أجرى فريق منصة حقيقة فحصًا للمذكرة وتبين له باستخدام برنامج forensics أن المذكرة تم التلاعب بها وليست رسمية.
وبمطابقة المذكرة المتداولة مع المذكرات والقرارات والتعاميم الصادرة من البنك المركزي تأكدنا أنها زائفة وليست صادرة عن محافظ البنك المركزي في عدن.
توظيف الحدث
في السادس عشر من يوليو/ تموز نشرت حسابات في منصتي “فيسبوك” و”X” صورة ادعت أنها لحريق ضخم يلتهم بنك اليمن الدولي في مدينة عدن، جنوبي اليمن.
من خلال عملية البحث العكسي عن الصورة توصل فريق حقيقة أن الصورة نشرت في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وهي لاحتراق مبنى مركز دار التحف والهدايا الكائن في جولة كالتكس بمديرية المنصورة.
وتوصل الفريق إلى أن الحريق في ذلك الوقت تسببت به حرائق في أكوام قمامة خلف المبنى، وأتى على المركز بأكمله وجزء من مبنى بنك اليمن الدولي المجاور.
وكانت إذاعة هنا عدن نشرت صورًا لاندلاع حريق الإثنين 15 يوليو/ تموز 2024 بين المبنى الخاص ببنك اليمن الدولي ومخازن تابعة لمحل تجاري في مديرية المنصورة بالعاصمة عدن، بسبب ماس كهربائي قبل أن تسيطر عليه قوات الدفاع المدني دون وقوع أي خسائر مادية أو بشرية.
إلى ذلك أعاد البعض نشر هذه الصورة وربطها بالسجال الاقتصادي الحاصل، بين بنكي عدن وصنعاء، وتوظيفها بأن عدن غير آمنة في الوقت الراهن.
طبعة جديدة
في أواخر تموز/ يوليو تداولت حسابات في منصتي فيسبوك وإكس، صورة ادعت أنها لطبعة جديدة من فئة 1000 ريال، وأن هناك اتفاق لتوحيد العملة بين بنكي صنعاء وعدن، وكان ذلك بعد أيام من إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن اتفاق بين الحكومة اليمنية وحركة “أنصار الله” على تدابير لوقف التصعيد في “القطاع المصرفي والنقل الجوي”.
بالبحث العكسي عن الصورة في جوجل وجدنا أنها نشرت في يناير 2017، وعلق ناشروها بأنها طبعة جديدة من فئة 1000 ريال يمني، تم طباعتها في روسيا.
ومن خلال الملاحظة والمقارنة، تبين أنّ الطبعة الزائفة والمتداولة، تحمل توقيع محافظ البنك المركزي اليمني الأسبق؛ محمد بن همام، وهو آخر محافظ للبنك قبل قرار نقله إلى عدن في سبتمبر 2016، في حين لم تعلن أطراف الصراع عن أي اتفاق لتوحيد العملة بين البنكين المركزيين.
آثار وتحديات
في السياق يقول المحلل الاقتصادي “وحيد الفودعي”: أن هناك علاقة بين الشائعات وأسعار الصرف وتأثرها بذلك، مضيفًا في حديث مع منصة “يمن ديلي نيوز”: أن هدف الشائعات هو “استمرار تدهور العملة الوطنية، ورفع سعر الصرف إلى رقم كبير، ومن ثم تحقيق مكاسب سياسية”.
بينما يقول الصحفي المتخصص بتدقيق المعلومات، فاروق الكمالي: “إن الكثير من الشائعات والكثير من التضليل رافق الحرب الاقتصادية بين البنك المركزي اليمني في عدن، والبنك المركزي التابع لجماعة الحوثيين في صنعاء”.
وفي حديثه لـ “حقيقة”، عن التحديات التي تواجه مدققي المعلومات، أشار الصحفي الكمالي، إلى أن الكثير من هذه الشائعات والتضليل تم ضخها بصورة آراء ومقالات ليس فيها أي معلومات ولا يمكن إخضاعها للتدقيق وبالتالي لم يكن بالمقدور تفنيدها.
وأضاف الكمالي: “هذا كله أثر ويؤثر على قدرة مدققي المعلومات على تفنيد الكثير من الشائعات، لذا كانت عمليات التدقيق مقتصرة على الجانب الفني، مثل: هل هذه الوثيقة صادرة عن البنك او مزورة؟ هل فعلًا هذه طبعة جديدة للعملة أو إشاعة؟ هل تم التوصل إلى اتفاق أو لا؟”.