عن ضحايا حملات “الحبر المسموم” في اليمن!

 خديجة الجسري

 

لم تكتفِ الحرب الدائرة في البلاد منذ مارس 2015 من استهداف المرأة اليمنية بشكل مباشر وحسب، فإضافة إلى اللواتي قتلن، والمصابات، ومن احتملن تبعات فقدان من يعيلهن، وتجشمن عناء البحث عن المياه والغذاء والدواء، وكل ذلك يندرج ضمن المعاناة المضاعفة التي وجدت المرأة اليمنية نفسها فيها ضحية لحرب لا أفق لها، وإضافة لذلك واجهت نساء ناشطات وعاملات في المجتمع المدني حملات تشويه وتضليل وصل حد توجيه التهم، وتطورت لاحقًا إلى التحريض المباشر.

 

منازلة قضائية

أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتورة ألفت الدبعي كانت إحدى الفاعلات في المجتمع المدني، وامرأة قدمت الكثير لمجتمعها على المستوى الحقوقي، لكن ذلك لم يشفع لها، إذ تعرضت لحملة تشويه طالتها، وتطورت لاحقًا إلى منازلة قضائية بعد توجه الدكتورة الدبعي إلى رفع دعوى قضائية بكل من حاول النيل منها ووجه لها الاتهامات دون أي دليل.

في السابع من مارس 2024 نشرت ألفت الدبعي في منصة إكس “تويتر سابقًا” تغريدة حول حكم قضائي من المحكمة المختصة في مصر التي أدانت عادل الشجاع كمتهم في القضية المرفوعة من قبلها، وحكمت عليه بالغرامة المالية والحق في التعويض المدني لصالح الأكاديمية اليمنية، وإلزامه بالمصاريف الجنائية والمدنية، كما أيدت الحكم الابتدائي.

وكان الشجاع في مقال له نُشر في يوليو 2022 وجه اتهامًا للدكتورة الدبعي بأنها تسعى من خلال حملة جوازي بلا وصاية التي نظمتها عدد من النساء والناشطات في محافظة تعز ولاقت دعمًا من الدكتورة الدبعي، اتهمها بأنها “واحدة من الناشطات اللاتي يتاجرن بقضية المرأة ويعبثن بالنساء وتحويلهن لأداة ابتزاز رخيصة، وقضية “جوازي بلا وصاية ” التي تتبناها الدبعي، ماهي إلا بمثابة جس نبض للرأي العام اليمني”، وساق في مقال مطول مجموعة من الاتهامات.

وفي يونيو 2022 نشرت الأكاديمية الدبعي على حسابها في فيسبوك منشورًا عن قبول دعوى تقدمت بها ضد صحيفة أخبار اليوم على خلفية مقال للكاتب مصطفى العمراني، ولما تعرضت له من سب وقذف وتشهير وإساءة في مقاله المعنون بـ ” الفت الدبعي الناشطة المتسولة باسم المرأة والمتلونة حسب المصالح “.

النزال الثاني للدكتورة الدبعي حسمه القضاء لصالحها، عندما أصدرت محكمة ابتدائية في مدينة مأرب شمالي شرق البلاد حكمًا بسجن الكاتب الصحافي محمد مصطفى العمراني لمدة عام مع النفاد، بعد إدانته بتهمة السب والتشهير بحق الأكاديمية الدبعي، كما نص الحكم الغيابي على تغريم العمراني مبلغ خمسة ملايين ريال لصالح الدبعي.

وأغلق ملف القضية باعتذار سيف الحاضري رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم من الدكتورة الدبعي ونشر ذلك في الصحيفة وصفحات الكاتب في وسائل التواصل الاجتماعي، مع التوقيع على محضر اتفاق لإغلاق ملف القضية من الجانبين.

شواهد أخرى

تصف الدكتورة ألفت الدبعي حملات التشهير والسب والتحريض التي تمارس من قبل بعض الناشطين والسياسيين عبر نشر معلومات كاذبة ومضللة بأنها مرض تصدر وسائل الإعلام، ويعبر عن أزمة في قيم وأخلاق الناس بعيدًا عن وزن مواقفهم بموقف القانون خاصة عندما تطال هذه الحملات النساء في مجتمع تقليدي كالمجتمع اليمني.

وتعتبر الدبعي الشائعات والأخبار الكاذبة التي تمس الأخلاق والقيم وسيلة لكسر إرادة المرأة، وصنع مزيد من القيود الاجتماعية تجاهها، وتضيف: “كوني أستاذة في علم الاجتماع كنت أدرك تمامًا خطورة السكوت عن هذه الحملات وعدم اتخاذ موقف تجاهها، لذلك ورغم ضخامة النقد الذي واجهته جراء نشر هذه الأكاذيب والتهم التي تصدرتها صحيفة أخبار اليوم والسياسي عادل الشجاع وما سببته من إرهاق نفسي لي ولأسرتي خاصه إلا أنني لم أستسلم وواصلت حتى نلت حقي بالقانون”.

“لحقتني أضرار كبيرة بسبب الأخبار المضللة والتحريض الذي يبثه ضعفاء النفوس ضدي، منها عدم السماح لي بممارسة عملي الحقوقي ومنح مؤسستي تجديد تصريح عمل”، هذا ما تقوله المحامية والناشطة الحقوقية هدى الصراري، وتضيف: “حتى الزملاء لم أسلم من مناكفتهم وإلحاق الضرر بي”.

وواجهت الناشطة الصراري العديد من حملات التحريض والتشويه وصلت حد وضعها على قائمة الاغتيالات في مدينة عدن، جنوبي اليمن وفقًا لتحقيق استقصائي بثته قناة BBC عربي.

ووقعت المحامية والحقوقية ابتهال الكوماني ضحية لأخبار مضلله عقب خلعها النقاب منها أنها قتلت زوجها وأحرقته، تقول الكوماني: “أشخاص مدفوعي الأجر لفقوا لي تهمة للنيل من سمعتي بعدما خلعت النقاب؛ كوني من منطقة محافظة نادرًا ما تكون فيه ناشطات”.

وتضيف الكوماني: “كنت أريد مقاضاتهم، وقدمت بلاغًا للبحث الجنائي وفتح ملف ما زال مفتوحًا في النيابة؛ لكن المضللين في مناطق لا تخضع للسلطة التي أخضع لها، وكان كل هدفهم تخويفي، وإرسال رسالة لكل بنت تفكر بخلع النقاب أو العمل في المجال الصحفي والحقوقي”.

بيئة خصبة

تعتبر سهولة إنتاج ونشر، وإعادة نشر المعلومات ومشاركة التحديثات واحدة من أيسر السبل، وأقلها كلفة، وفي فترة زمنية وجيزة من الأسباب المساهمة في سرعة انتشار الشائعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كذلك تساهم في جعل قدرة التحكّم في المحتوى الإلكتروني ضئيلة جدًا، وفقًا لمقال في شبكة الصحفيين الدوليين نشر في أكتوبر 2018.

الأخصائية بالأمن الرقمي في منصة “سومافرس” سمية مقبل تعتبر انتشار المعلومات والأخبار بهذه السرعة؛ لأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت في متناول الجميع، داعية إلى ضرورة التأكد من صحة أي خبر قبل نشره؛ لأن انتشار الأخبار المضللة يؤدي إلى توترات وزعزعة للأمن والاستقرار.

إلى ذلك يعتبر الدكتور عادل الشرجبي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الإشاعات والأخبار المضللة التي استهدفت المرأة أدت إلى إلحاق ضرر بالغ بالعلاقات الأسرية لبعض الناشطات والعاملات في المجال الإعلامي والثقافي، ودفعت بعضهن للانسحاب من المجال العام، ودفعت بعض الفتيات إلى تجنب دراسة التخصصات الأكاديمية المرتبطة بالإعلام والثقافة خوفًا من التعرض لحملات الإشاعات والأخبار المضللة، بل أن بعض الأسر فضلت تزويج بناتها في سن مبكرة رغمًا عن إرادتهن، لتجنيبهن التعرض لمثل هذه الإشاعات والاتهامات.

وهو ما تؤكده الأخصائية النفسية الدكتورة نسرين الفاطمي بقولها: “هناك شائعات لها آثار جسيمة، ولها أثر بالغ في الصحة النفسية بدايتها إحباط ومحاولة إقناع الآخرين بما تعمله المؤثرات في المجتمع، ولكن أحيانًا لا تجد الناشطات سندًا وقت نشر الشائعات مما يسبب لهن الإحباط المستمر فيعمل على تأثير نفسي بدخولهن في حالة اكتئاب ويتطور ذلك إلى أمراض نفسية وذهنية”.

تأثير واسع

الأخبار المضللة تنشأ في نهاية المطاف من دوافع شخصية أو أيديولوجية فاسدة، وتسعى لتغيير مزاج الرأي العام وتتسبب في صور نمطية وأحداث عنف وترسيخ العنصرية ضد المرأة، عبر التلاعب على الحدود بين الحقيقة والتزييف، هذا ما توصلت له خلاصة مقالة عن كتاب “ليس كذبًا تمامًا: أخبار مزيفة وصحافة مضللة في التاريخ الأمريكي” نشرتها مجلة فكر في فبراير 2024.

تقول هدى حربي، صحفية في منصة “نسوان فويس”: “إن للأخبار المضللة والشائعات تأثير سلبي كبير على الناشطات والصحفيات في اليمن، كالتأثير النفسي الذي يتمثل في الشعور بالخوف والقلق والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالعزلة وكذلك التعرض للتنمر الإلكتروني والتحرش”.

وتضيف حربي: “هناك تأثير اجتماعي لتلك الأخبار كتقييد حرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة، وتعزيز الصور النمطية السلبية عن النساء وإعاقة فرصهن في التعليم والعمل والوصول إلى الخدمات”.

موقف القانون

المعلومات المضللة والشائعات، السب والقذف والتعريض فيه، ما يذاع ويعلن كذبًا ويؤدي إلى تكدير السلم العام وزعزعة المجتمع كل هذا جرّمه القانون اليمني، وحظر نشره وشرع عقوبات صارمة ضد كل من ينشره.

المحامية ولاء الفقيه قالت : هناك أخبار نُشرت وتدخل ضمن السب والتعريض في القذف وهذه ينطبق عليها ما ورد في المادة 292 من قانون العقوبات، والتي تنص على أن ” كل من سب غيره بغير القذف يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة ولو كانت الواقعة المسندة للمجني عليه صحيحة.”، وتضيف الفقيه: أما نشر الأخبار المضللة التي تُنشر ضد أشخاص  فإنه يعاقب عليها القانون في  المادة 192 من قانون العقوبات.

القاضي جياب الحدي من جانبه قال: إن هذه الأخبار سواء شائعات أو غيرها بحق الناشطات والصحفيات تؤدي إلى زعزعة الأمن العام وبث الخوف في نفوس العامة خاصة الآباء الذين بناتهم يتوجهن إلى العمل الحقوقي والصحي، ومن يبث أخبار من هذا النوع فإنه يعاقب طبقًا للمادة 198 من قانون العقوبات.