تداولت حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي صورًا للشرطة النسائية في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرقي اليمن مدعية أن النزول الذي نفذته الشرطة النسائية جاء لمراقبة وضبط النساء اللواتي يرتدين "العباءات الملونة والفاضحة"، حسب ما نُشر، فما حقيقة ذلك؟
ريم الفضلي
في الـ 16 من آذار مارس 2024 نشر حساب حماية الأسرة التابع للشرطة النسائية في أمن حضرموت منشورًا مرفقًا بصور لعدد من منتسبات الشرطة النسائية خلال مشاركتهن في النزول الميداني لتنفيذ الخطة الأمنية الرمضانية لتأمين الأسواق والأماكن العامة وحفظ الأمن والاستقرار في المكلا.
بعد ساعتين من انتشار الخبر سارعت حسابات في فيسبوك بنشر أخبار مضللة حول النزول الذي نفذته الشرطة النسائية بالمحافظة. أحد تلك الحسابات على فيسبوك يحمل اسم ماهر عبد العزيز عويض ادعى “بأن النزول الذي نفذته الشرطة النسائية في مديرية المكلا جاء لمراقبة وضبط النساء مرتديات “العباءات الملونة والفاضحة”.
عند البحث باستخدام كلمات مفتاحية والبحث العكسي في جوجل توصلنا إلى عدد من الحسابات التي تداولت الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدًا تطبيقي X تويتر سابقًا وفيسبوك حيث نشرت الخبر 7 حسابات ثلاثة منها في فيسبوك، إضافة إلى رصد ثلاثة مواقع إخبارية قامت بنشره.
كان لهذا النشر وقع كبير على العديد من الأشخاص حيث انقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض للخبر، وهو ما تؤكده الطالبة الجامعية فاطمة باوزير التي قالت في حديثها للمنصة أن والدها وأخوتها أبلغوها منذ معرفتهم بهذه الشائعة بعدم ارتداء أي عباية ملونة أو مطرزة في الأماكن العامة.
وتضيف فاطمة: “أصبح أخي الأصغر حريص على ما سأرتديه أثناء الخروج من المنزل، وأصبحت لديه هواجس من أن الشرطة النسائية سوف تلقي القبض علي وهو ما سبب بيننا الكثير من المشاكل”.
للحماية
وبخصوص المعلومات المضللة التي انتشرت حول عمل الشرطة النسائية في مدينة المكلا، علقت رئيس قسم الشرطة النسائية في أمن حضرموت منى غرامة قائلة إن: “الحملة كانت خطة سنوية وزارية يتم تنفيذها للنزول الميداني في كل عام من شهر رمضان للحد من بعض قضايا السرقة، والتحرش والمضايقات التي تتعرض لها بعض العوائل والنساء في الأماكن المزدحمة والأسواق، إضافة إلى تثبيت الأمن ومساعدة النساء في التسوق بكل أمان وأمن”.
وأكدت رئيس قسم الشرطة النسائية بالمكلا أن الشائعات التي تصدرت مؤخرًا مواقع التواصل حول طبيعة عمل الشرطة غير صحيحة وبأنها لن تثني الشرطة النسائية عن القيام بواجباتها تجاه المجتمع في حضرموت.
تكريسٌ منمّط!
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن مرتعًا للشائعات التي تكون المرأة هي الضحية الأولى لها. ولم تكن المعلومات التي تناولها رواد المواقع كفيسبوك وتويتر حول الشرطة النسائية في حضرموت هي الأولى من نوعها، بل واجهت المرأة في اليمن العديد من الشائعات والمعلومات المضللة آخرها قصة سمية الخولاني والنساء العاملات في المنظمات اليمنية.
الصحفي والناشط الحقوقي عمار بن جوهر قال: “إن انتشار مثل هكذا شائعات تؤثر بشكل كبير على الناس في مجتمعنا الذي يتسم بأنه محافظ؛ حيث يكون وقعها مؤذيًا خصوصا إذا ما تم تداولها عبر أشخاص مؤثرين وذوي شأن في المجتمع”.
” هناك بعض الجماعات التي تود أن تفرض رأيها ومعتقداتها على المجتمع ككل وهي تصرفات دخيلة على مجتمعنا”؛ أضاف بن جوهر.
وحول تأثير تلك الشائعات التي تستهدف المراة وتعزز من العنف القائم على النوع الاجتماعي، قال أستاذ علم الاجتماع في مركز الدراسات والبحوث اليمنية، الدكتورعبد الكريم غالب: “إن للمعلومات المضللة والمغلوطة تأثير كبير في تقييد حرية الفتاة في الحركة والتنقل، فإلى جانب العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحد من حركة الفتاة، إلا في أوقات محددة للقيام بمهام معينة، تصبح هذه الشائعات، مصدرًا إضافية للقلق لدى الفتيات”.
وتابع غالب: “صدور شائعة مثل وجود شرطة نسائية متخصصة لضبط الملابس النسائية في المجتمع اليمني، الذي يسير على خطى الأنظمة المتشددة، مدعاة للخوف والقلق من قبل الفتيات، ومما قد يترتب على هذه الشائعات صعوبة إكمال بعض الفتيات لمسيرتهن التعليمية، في المدارس والمعاهد والجامعات”.
حلول ممكنة
وحول الحلول الممكنة للحد من تأثير تلك الشائعات قال الدكتور غالب إنها تكمن في “عدم الترويج للشائعات التي تستهدف الفتيات وكشف الغاية من وراء الأخبار المضللة، وجعل بيئة التعليم والعمل في البلد تستجيب لاحتياج الفتيات والنساء للتأهيل والتدريب والالتحاق بالوظائف، فكلما كان لتعليم الفتاة وعملها جدوى اقتصادية كلما أصمت الأسر آذانها أمام الشائعات”.
مؤكدًا أنه وفي ظل الزخم الكبير للفتاة اليمنية في مختلف مجالات العلم والمعرفة وتطلعها لكسر الطابع النمطي في حياتها، وما باتت تحظى به من ثقة أفراد الأسرة، ستتجاوز الفتيات في اليمن المخاوف المرتبطة بهذه الشائعات السلبية، التي تعد بمثابة جس النبض، لمعرفة مدى استعداد الفتيات وغيرهن من فئات المجتمع للقبول بالمزيد من التقليص للحريات والتدخل في الخصوصيات، ومصادرة الحق في الحركة والتنقل. مشيرًا إلى أن تأثير هذه الشائعات في إثارة مخاوف الفتيات سيظل محدودًا، لاسيما أن المجتمع اليمني يرفض التعامل المسيء مع الفتاة.
خلفية
خلال بحثنا عن الخلفية الزمنية والثقافية لتبعات الخبر وجدنا أنه لم يسبق لأي سلطة محلية، في جميع المحافظات اليمنية وخلال الحكومات المتعاقبة، أن فرضت تعميمًا يخص لباس المرأة وإلزامها بطريقة لبس محددة عدا التوجيه الصادرعن سلطات جماعة “أنصار الله” الحوثيين والمحافظات الواقعة تحت سيطرتها في الـ 10 من كانون الثاني يناير 2023، حيث أقرت الجماعة ضوابط معينة لطريقة تفصيل وبيع العبايات النسائية وإلزام مالكي محلات الخياطة فيها.
وبحسب المحامية والناشطة الحقوقية هدى الصراري فإن “مثل هكذا تعليمات لم تكن رسمية إطلاقًا بل صدرت عن بعض الجماعات المتشددة “تنظيم القاعدة” الذي سيطر على مدينة المكلا في حضرموت مطلع عام 2015، واستغلال عدم وجود الدولة في عدن عقب تحريرها حيث قوبلت بالرفض تمامًا هناك”.
وتابعت الصراري: “إضافة إلى الفترة التي سقطت فيها بعض مديريات محافظة أبين، جنوبي اليمن في يد عناصر تنظيم القاعدة في عامي 2011 و2015، فقد فرض التنظيم وقتها عددًا من الشروط التعسفية ضد النساء بالمحافظة من ضمنها تقييد حرية النساء باختيار ملابسهن”.
وهو ما أكده الصحفي عمار بن جوهر من محافظة حضرموت حيث قال: “أثناء سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا عمد التنظيم إلى فرض قيود كثيرة على النساء منها إلزامية لبس الخمار وتقييد حركة النساء في الأسواق والأماكن العامة”.
أما بخصوص محافظة أبين، تواصلت معدة المادة مع إحدى الطالبات الملتحقات بكلية التربية في زنجبار عام 2015 آنذاك للتأكد من صحة معلومات التقييد الذي ذكرته الصراري، مؤكدة حقيقة تلك المعلومات.
وأضافت ع.ص التي فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب خاصة، أنه “بعد سيطرة التنظيم على المحافظة في عام 2015 فرض على النساء عددًا من القيود المتمثلة بتواجدهن في الأماكن العامة وأوقات خروجهن من المنازل، إلى جانب تقييدهم الأكبر للطالبات الجامعيات مما اضطر الكثيرات إلى التوقف”.